آثار الإسلام في أستراليا قبل القرن السادس عشر
كشفت خريطة بحرية قديمة رُسمت عام 1547 من قِبل نيكولا فالر عن وجود سكان في "جزيرة جاوة الكبرى" (Jave la Grande)، يُعتقد أنها تشير إلى شمال أستراليا. تُظهر الرسوم رجالًا يحملون رماحًا وسيوفًا قصيرة ذات مقابض منحنية تشبه الڠولوك الإندونيسي. كما يظهر رجل على ظهر حصان مع خادم خلفه يحمل مظلة، في دلالة على مكانته كزعيم أو نبيل.
ما يلفت النظر أن بعض هؤلاء الرجال يرتدون عمائم، وهي رمز شائع في الثقافة الإسلامية، مما يشير إلى أنهم قد يكونون مسلمين. كما أن المنازل الخشبية المرتفعة فوق الأرض، والمبنية بطريقة معروفة في الهند الشرقية، تشير إلى وجود طابع ثقافي إندونيسي واضح في هذه المنطقة.
وقد دعم المستكشف البرتغالي "بيدرو دي كارفالهايس" رواية الرحّالة "مانويل غودينيو دي إرِيديا" عن رحلة رجل من نبلاء جاوة يُدعى "تشيياماسيورو" إلى أرض تُسمى لوكا أنطارا جنوب شرق جاوة، أي باتجاه أستراليا الحديثة. ووفقًا لملاحظات "تشيياماسيورو" في عام 1601، كان هناك مجتمع جاوي يعيش في تلك الأرض.
لكن، عندما أرسل "إرِيديا" خادمه إلى "لوكا أنطارا" عام 1610، وُجدت المنطقة خالية من السكان، ولا يُعرف السبب الحقيقي وراء تركهم للمنطقة. ومع ذلك، فإن وجودهم يُظهر بأن شعوب الأرخبيل الهندي قد وصلوا إلى أستراليا قبل الأوروبيين بعدة عقود، بل وربما قرون.
إن ارتداء العمائم، والأسلحة التقليدية، والعمارة المحلية، جميعها تؤكد أن هؤلاء السكان جاؤوا من جاوة أو جزر أخرى في الأرخبيل الإندونيسي. وإن وجود رموز إسلامية في لوحات نيكولا فالر يُشير إلى وصول الإسلام إلى أستراليا قبل القرن السادس عشر الميلادي، عن طريق الرحالة والتجار المسلمين من جنوب شرق آسيا.
اللافت أن النساء في تلك الرسوم لم يكنّ يرتدين الحجاب، لكن هذا يتوافق مع الواقع الثقافي الإندونيسي حتى منتصف القرن العشرين، حيث لم يكن ارتداء الحجاب إلزاميًا. لذا فإن وجود رجال يلبسون العمائم يمكن اعتباره مؤشرًا قويًا على الوجود الإسلامي.
بهذا، يمكن القول إن الإسلام قد وصل إلى أستراليا من الأرخبيل الإندونيسي، وبالتحديد من شعوب جاوة ومكاسر، من خلال التجارة والملاحة، وليس عبر الحملات الاستعمارية كما هو شائع في السرد الغربي التقليدي.
ومن المعروف تاريخيًا أن سلطنة ماكاسر (غوا-تالّو) كانت من أقوى الممالك البحرية في جنوب شرق آسيا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. وقد امتلكت أسطولًا بحريًا واسعًا، وكان بحارتها يبحرون بانتظام إلى سواحل شمال أستراليا، من أجل التبادل التجاري وصيد خيار البحر (trepang).
وكان بحارة غوا يقيمون علاقات مع السكان الأصليين في أستراليا (الأبوروجينيين)، ويتبادلون معهم السلع، ويؤسسون مستوطنات موسمية على السواحل الأسترالية الشمالية. وهذا يُعد أقدم تواصل دائم بين مسلمي جنوب شرق آسيا وأرض أستراليا.
ولا تزال سلطنة غوا حتى اليوم، وفقًا لروايات تراثية شفهية، تُعتبر أن أستراليا جزء من مجالها الجغرافي والتاريخي، كدلالة رمزية على عمق العلاقة التاريخية التي تعود إلى قرون مضت. وحتى الآن، يتم إحياء هذه الروابط من خلال الفولكلور الماكاسري والاحتفالات البحرية التي تمجّد أبطال الملاحة الأوائل.
إن هذه الأدلة تقلب مفاهيم التاريخ الأسترالي التقليدي، الذي يُنسب بالكامل إلى الأوروبيين. بل تُظهر أن المسلمين الإندونيسيين، وخاصة من سلطنة ماكاسر، كانوا جزءًا من تاريخ أستراليا منذ قرون، وحملوا معهم ثقافتهم وإيمانهم وروحهم التجارية.
من خلال إعادة النظر في الخرائط القديمة، والمخطوطات البرتغالية، والروايات المحلية، نستطيع أن نُعيد كتابة تاريخ أستراليا المبكر، ليشمل المسلمين من جنوب شرق آسيا كأول من وصلوا واستقروا في أرض الجنوب.
آثار الإسلام في أستراليا قبل القرن السادس عشر
بواسطة Admin2
on
أبريل 20, 2025
Rating:
ليست هناك تعليقات